سامح مهران: أقوى نسخ مهرجان القاهرة للمسرح التجريبي كانت في أعوامه الثلاثة الأولى

نسرين نور
يتولى الأستاذ الدكتور سامح مهران منذ عدة سنوات رئاسة مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي، وهو المنصب الذي جعله دائمًا في قلب الجدل المسرحي، بين مؤيد يرى فيه رجل المرحلة بقدرته على إدارة المهرجان في ظروف صعبة، وبين معارض يوجه سهام النقد إلى سياساته وخياراته. لكن ما يميّز مهران هو رحابة صدره في مواجهة الأسئلة والانتقادات، وقدرته على الإجابة بمنطق ووضوح، وهو ما ظهر جليًا في المؤتمر الصحفي الذي عُقد بالمجلس الأعلى للثقافة قبل عشرة أيام من انطلاق الدورة الجديدة.
في هذا الحوار، ننقل أهم ما جاء على لسان رئيس المهرجان في صيغة أقرب إلى التوثيق، لتكون شهادة على ملامح هذه الدورة، ورؤية القائمين عليها.
عن البدايات وروح الحرية:
صرح د. مهران قائلاً: “لا يوجد مسرح دون حرية، خاصة في مجال التجريب. لذلك أعتبر أن أفضل ثلاث دورات في تاريخ المهرجان هي الأولى التي جرت برئاسة أ.د فوزي فهمي. تلك الدورات جسدت بصدق فلسفة المهرجان، لكنها اصطدمت آنذاك بمقاومة المجتمع المصري الذي لم يكن مستعدًا لهذا القدر من الانفتاح على ثقافات مختلفة. ومن هنا جاءت محاولات لتحجيم المهرجان وتقييده.”
وأضاف: “اليوم، نحن بحاجة إلى صيغة جديدة يقوم عليها المهرجان، صيغة تتيح للعروض المستضافة من الخارج أن تعكس حقًا روح التجريب والاختلاف.”
اقرأ أيضا| حكمة التجربة تلتقي بنبض المستقبل.. سامح مهران صاحب رسالة اليوم العربي للمسرح 2026
عن الهوية العربية والخليجية:
أفاد مهران بأن الطابع العربي – وبالأخص الخليجي – الذي يطبع بعض دورات المهرجان، لا يعني أن هناك تدخلاً من أي جهة، قائلاً: “لمصر الحق في استضافة ما تراه مناسبًا لقيمها وللطبيعة الخاصة بالمهرجان. ولا يوجد أي تدخل من قبلي أو من اللجنة العليا في عمل لجنة المشاهدة والاختيار. نحن فقط نوفر المناخ والآليات، أما القرار النهائي فهو للجنة.
عن إمكانيات المسارح المصرية:
أوضح رئيس المهرجان أن البنية التحتية المسرحية في مصر لا تزال تعاني تأخرًا كبيرًا، قائلاً: “تأخرنا تقنيًا كثيرًا، ولم نعد قادرين على استضافة عروض كبرى تحتاج إلى تجهيزات غير متاحة عندنا. وهذا ليس حال مصر فقط، بل معظم الدول العربية تواجه نفس المشكلة الفنية.”
عن مستوى العروض المشاركة
أكد مهران أن النظام القديم للمهرجانات لم يعد مناسبًا: “لم يعد هناك مهرجان يعتمد على التنافس التقليدي بين العروض. النظام الجديد يقوم على أن تختار إدارة المهرجان عروضًا بعينها، ثم تتحمل تكلفة استضافتها. بعض الفرق تطلب تسعة آلاف يورو في الليلة الواحدة، وهذا يضع عبئًا كبيرًا على الميزانية.”
الميزانية والتحديات:
أفاد مهران بأن المهرجان يعاني من ضعف الميزانية مقارنة بما كان عليه في السابق، قائلاً: “ميزانية المهرجان اليوم أقل من ثلث ما كانت عليه أيام الوزير فاروق حسني. ومع ذلك، يندهش الفنانون العرب من قدرتي على إخراج مهرجان بهذا الحجم في ظل هذه الإمكانات المحدودة.”
وأضاف: “رغم كل شيء، لا تزال للمهرجان سمعة دولية طيبة، تشهد عليها جودة الورش الفنية، والمدربون العالميون الذين نستضيفهم، وكذلك المكرمون الذين يضيفون للمهرجان قيمة واعتبارًا.”
تكريمات المهرجان:
أوضح مهران أن التكريمات بدورها تواجه تحولات جديدة: “حتى التكريمات اليوم أصبحت بعض الأسماء تطلب مقابلًا ماليًا لقاء الحضور، وهذا حقهم. لكن في المقابل، هناك أسماء توافق على المشاركة لأجل سمعة المهرجان التي تتردد خارج مصر.”
أما عن تكرار نفس الأسماء في إخراج الافتتاح والختام:
صرح مهران معلقًا على الانتقادات المتكررة: “هذه هي أفضل الأسماء المتاحة على الساحة. المشكلة أن المؤسسات الثقافية والفنية توقفت منذ زمن عن تخريج كوادر جديدة، فماذا أفعل أنا في غياب البدائل؟”
عن فكرة التنحي وإتاحة الفرصة للآخرين
أعرب رئيس المهرجان عن موقفه الواضح: “لقد تنحيت بالفعل أكثر من مرة، وفي كل مرة كانت الوزارة تعود وتستعين بي. صدقًا، هذا تكليف مرهق وصعب، ولم أسعَ له يومًا. والدورات التي قادها غيري موجودة في الأذهان، يمكن لكل منصف أن يقارن.”
الوعد الخاص لحفيدة د.هناء عبد الفتاح:
كشف مهران عن لمسة إنسانية ميزت هذا العام، قائلاً: “وعدت حفيدة الدكتور هناء عبد الفتاح أن نساعدها في إصدار كتابها عن جدها إذا قامت بترجمته إلى العربية. الكتاب صدر بالبولندية كمشروع تخرج، ويحتوي على علاقتها الإنسانية المميز مع جدها مع بعض لمسات من فنه وعلمه التي أثرت فيها.
و أضاف:أعتقد أن ترجمته ستضيف كثيرًا للمكتبة المسرحية العربية.
بهذا الوعد الإنساني اختتم الدكتور سامح مهران مؤتمره الصحفي، مؤكدًا مرة أخرى أن مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي يظل منصة للحوار والتجريب والبحث عن صيغ جديدة في المسرح، مهما اختلفت حوله الآراء وتباينت المواقف.