منوعات

نور الشريف: ضحكنا على “برص”.. فمات ناظرنا من الحسرة

نور الشريف

 

ور الشريف يروي اللحظة التي غيّرت نظرته للحياة.. حين مات ناظره بين يديه

في حديث صادق ومؤلم أدلى به الفنان الراحل “نور الشريف” لمجلة “آخر ساعة” عام “1978”، كشف عن إحدى الذكريات التي لا تفارقه من أيام المدرسة، والتي شكّلت تحولًا إنسانيًا في وعيه وشخصيته.

بدأ نور الشريف حديثه عن فصل “ثانية خامس”، وهو الفصل الذي كان يجمع بين الطلاب كبار السن الذين رسبوا أكثر من مرة، والذين أُطلق عليهم ساخرًا لقب “الفاقدة”.

كان الفصل معزولًا في آخر المدرسة، بعيدًا عن غرفة الناظر، ويطل على أحد شوارع “جاردن سيتي”، حيث يقع كشك صغير يملكه قهوجي يقدّم الشاي والقهوة والشيشة.

هروب يومي من الفصل إلى المقهى

يروي الشريف أن طلاب الفصل – وهو أحدهم – عقدوا اتفاقًا مع صاحب الكشك بأن يضع لهم سلمًا خشبيًا يربط بين حائط الفصل والشارع، ليقفزوا من النافذة ويقضوا يومهم الدراسي في المقهى، بين ضحكات الشيشة وكؤوس الشاي.

في تلك المدرسة التي كانت تجمع أبناء الذوات والبلطجية معًا، كان الاستهتار هو العنوان الأبرز. لم تكن هناك قواعد تُحترم، وكان الطلاب يلقون بالأوراق الفارغة والزجاجات القديمة في نافورة المدرسة، وسط لامبالاة تامة.

دخول الأستاذ الخفيف.. المربي الذي ربى بالصمت

تغير المشهد مع وصول ناظر جديد إلى المدرسة: “الأستاذ محمود الخفيف”، الذي لم يكن مجرد إداري، بل قدوة حقيقية في السلوك الإنساني.

لم يُعنّف الطلاب، ولم يفرض العقوبات، بل قرر أن يغيرهم بالفعل لا بالكلام.

أمر بوضع صناديق قمامة في فناء المدرسة، دون أن يطلب من أحد استخدامها، بل كان ينزل بنفسه يوميًا ليجمع القمامة من الأرض ويضعها في الصناديق، في مشهد أثار الدهشة أولًا، ثم الحرج.

يقول نور الشريف: “شعرنا بالخجل من أنفسنا، وبدأنا بأنفسنا نلتقط الأوراق ونضعها في الصناديق، لقد زرع فينا هذا الرجل قيمة النظافة، وربانا دون أن ينطق بكلمة”.

برص في السقف.. وصدمة لا تُنسى

رغم التغير السلوكي، ظلت “شقاوة الشباب” جزءًا من شخصياتهم، كما يقول الشريف، حتى جاءت اللحظة الفارقة.

في أحد الأيام، تأخر الأستاذ عن الحصة، فاستغل الطلاب الفرصة للعبث.

لاحظوا وجود “برص” صغير على سقف الفصل، وبدأوا يقذفونه بالكتب والكراريس وسط صراخ وضحك، حتى ملأت أصواتهم المدرسة.

رغم مرضه بالقلب ومنع الأطباء له من صعود السلالم، اندفع الأستاذ الخفيف بعصاه وصعد طابقين ليصل إلى الفصل وهو يلهث، وانهال عليهم ضربًا، قبل أن يقول بصوت غاضب: “محدش ييجي بكرة إلا ومعاه ولي أمره”.

عاد إلى حجرته، وبعد لحظات، دوت صفارات الإسعاف في أرجاء المدرسة..لقد أُصيب الأستاذ بأزمة قلبية مفاجئة، وسقط مغشيًا عليه.. وبعد دقائق، أعلنت وفاته.

الذنب الذي لم يغادر قلب نور الشريف

يختتم نور الشريف روايته بصوت يحمل الأسى والندم: “شعرنا بذنب لا يحتمل، وندم عميق لن يمحوه الزمن.. رحم الله الأستاذ الخفيف، المربي الذي غيرنا بصمته، ورحل دون أن يعاقبنا”.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى