
في مثل هذا اليوم من عام 2019، غيّب الموت واحدًا من أبرز نجوم الكوميديا في مصر والعالم العربي، الفنان طلعت زكريا، الذي تميز بخفة ظله وحضوره الطاغي على الشاشة والمسرح. عاش حياة مليئة بالكفاح، وعانى من المرض طويلًا، لكنه ظل صامدًا حتى آخر نفس، مؤمنًا بأن الضحك رسالة سامية يجب أن يحملها الفنان مهما كان الثمن.
في الذكرى السادسة لوفاته، نسلّط الضوء على مشوار فنان لم يكن طريقه مفروشًا بالورود، بل بالحلم والإصرار، تاركًا خلفه إرثًا من الضحك والحب في قلوب جمهوره.
النشأة والبدايات
وُلد طلعت زكريا محمد يوسف يوم 18 ديسمبر 1960 في مدينة الإسكندرية، وسط أسرة بسيطة. منذ صغره، كان محبًا للفن والتمثيل، ويجيد تقليد الآخرين، ما جعله محبوبًا وسط أصدقائه ومعلميه.
رغم الظروف الصعبة، لم يفقد شغفه، وكان دائم المشاركة في المسرحيات المدرسية، مؤمنًا بأن مستقبله في الفن. عمل في مهن بسيطة كعامل في مطعم وبائع صحف، ليساعد أسرته، قبل أن يتخذ قراره الحاسم بدخول عالم التمثيل.
بداية دخوله إلى الفن
في عام 1980، التحق بالمعهد العالي للفنون المسرحية في القاهرة، وتخرج عام 1984، وسط دفعة من النجوم الذين أصبح لهم شأن فيما بعد.
بدأ مسيرته في أدوار ثانوية صغيرة في المسرح والسينما، وغالبًا ما كان يؤدي أدوار “السنّيد” الكوميدي. إلا أن موهبته كانت لافتة للأنظار، واستطاع خلال سنوات قليلة أن يحجز لنفسه مكانًا في ساحة الكوميديا المصرية.
أعماله مع نجوم كبار مثل سمير غانم، أحمد آدم، ومحمد سعد فتحت له أبواب النجومية تدريجيًا، حتى جاءت انطلاقته الحقيقية في فيلم “طباخ الريس”.
حياته الشخصية وزيجاته
تزوّج طلعت زكريا مرة واحدة من السيدة “شيرين المنزلاوي”، وانفصل عنها لاحقًا، لكنه ظل قريبًا من أبنائه، خاصة ابنته الفنانة إيمي طلعت زكريا، التي ورثت عنه الموهبة وروح الدعابة.
كان معروفًا بعلاقته القوية بأسرته، ومحبته لأصدقائه، وحرصه الدائم على دعم زملائه الفنانين. بعيدًا عن الأضواء، كان إنسانًا بسيطًا، متدينًا، يعشق الضحك ويُدخل السرور على من حوله.
أبرز أعماله الفنية
شارك طلعت زكريا في عشرات الأعمال الفنية بين السينما، المسرح، والدراما التلفزيونية، ومن أبرزها:
في السينما:
طباخ الريس (2008): الفيلم الذي أعاده بقوة بعد أزمة صحية حادة، وجسّد فيه دور طباخ الرئيس ببراعة أثارت إعجاب الجميع.
حاحا وتفاحة
كلم ماما
غبي منه فيه
السيد أبو العربي وصل
أبوعلي
التجربة الدنماركية (مع عادل إمام)
في الدراما:
مبروك جالك قلق
جوز ماما
زهرة وأزواجها الخمسة
الوتد
سرايا عابدين (جزء ثاني)
في المسرح:
دو ري مي فاصوليا
حودة كرامة
بابا جاب موز
بهلول في اسطنبول
أنا ومراتي ومونيكا
كانت بصمته واضحة، حيث أضاف نكهة خاصة على كل عمل شارك فيه، سواء بدور بطولة أو ثانوي، وتميز بأسلوبه الكوميدي التلقائي البعيد عن التصنع.
صراعه مع المرض
في عام 2007، أصيب طلعت زكريا بمرض مفاجئ في أحد شرايين المخ، ما أدى إلى دخوله في غيبوبة استمرت أكثر من شهرين. ورغم تعافيه، إلا أن المرض ترك أثرًا واضحًا على صحته.
أصرّ على مواصلة العمل، وكان فيلم طباخ الريس هو العودة المنتظرة بعد تعافيه. وظلّ يعاني من آثار المرض حتى وافته المنية بعد صراع طويل.
الوفاة وردود الأفعال
توفي الفنان طلعت زكريا في 8 أكتوبر 2019 عن عمر ناهز 59 عامًا، داخل أحد مستشفيات مدينة 6 أكتوبر بالقاهرة، بعد تدهور مفاجئ في حالته الصحية.
خيم الحزن على الوسط الفني، ونعاه العديد من النجوم والجماهير بكلمات مؤثرة. وأقامت أسرته جنازة شعبية شارك فيها المئات من محبيه.
حتى اليوم، ما زالت ذكراه حيّة في قلوب جمهوره، وتحرص أسرته، خاصة ابنته إيمي، على إحياء ذكراه سنويًا برسائل مؤثرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
إرث لا يُنسى
طلعت زكريا لم يكن مجرّد فنان كوميدي، بل كان مدرسة في الضحك الراقي، والارتجال الذكي، وصاحب تأثير قوي على أجيال من الفنانين والجمهور. أعماله ما زالت تُعرض حتى اليوم وتحقق مشاهدات عالية، ودائمًا ما يُستشهد بإفيهاته ومواقفه الطريفة في الذاكرة الجماعية.