محمد رياض.. الفنان الذي أنار مسارح مصر بإبداعه وقيادته

حنان الصاوي
عندما تولى الفنان محمد رياض رئاسة الدورة الثامنة عشرة من المهرجان القومي للمسرح المصري، لم يكن التحدي سهلاً، ولم يكن سقف الطموح منخفضًا. لكنه آمن منذ اللحظة الأولى أن المسرح ليس فقط خشبة وعرضًا وجمهورًا، بل هو قوة ناعمة تبني الوعي وتنشر الجمال وتلامس وجدان الوطن.
محمد رياض لم يدخل المهرجان كرئيس تقليدي، بل دخل كمثقف حقيقي، وعاشق خشبة، ومؤمن برسالة المسرح في تشكيل الوعي العام. فحوّل دورة هذا العام من مجرد مهرجان إلى حدث قومي بكل ما تحمله الكلمة من معنى.
الخروج من المركز إلى الأطراف.. و”مسرح الوطن” حاضر
أحد أبرز إنجازات دورة محمد رياض هو كسر المركزية القاهرة-الاسكندرية.. طنطا…بورسعيد، وفتح أبواب المهرجان على مصراعيها أمام المحافظات. فالمسرح هذا العام لم يكن حبيس المسارح الكبرى، بل خرج إلى الصعيد والدلتا، إلى المدن والقرى، حاملاً رسالة “المسرح للجميع”، حيث يستحق كل مواطن أن يرى على الخشبة مرآة تحاكي قضاياه وأحلامه.
نجح محمد رياض في أن يجعل من الدورة الـ18 منصة للمواهب الحقيقية، وللعروض الجادة، وللمشاركة الفعالة من مختلف الفرق والمؤسسات. ولأول مرة منذ سنوات، شعر المسرحيون في المحافظات أنهم ليسوا على الهامش، بل في صلب الحركة المسرحية الوطنية.
ربما ما يميز محمد رياض، إلى جانب خبرته الفنية والثقافية، هو أسلوبه الهادئ في القيادة، وقدرته على جمع الفرقاء، والإنصات لصوت الشباب، والاحتفاظ بهيبة المهرجان، دون أن يُقصي أحدًا. فتح أبواب الحوار، واحترم الجميع، لكنه في النهاية كان صاحب قرارٍ مدروس، وموقف لا يُشترى ولا يُباع.
بفضل هذه الرؤية، خرجت الدورة الـ18 محمّلة بالنجاح التنظيمي، والتنوع الفكري، والثراء الفني، والأهم: محبة الجمهور وثقة المسرحيين.
مهمة صعبة لمن يأتي بعده
الواقع يقول: ما بعد محمد رياض لن يكون سهلًا. فمن يأتِ بعده سيجد نفسه في مواجهة معايير جديدة للنجاح، وجمهور أصبح يتوقع مهرجانًا وطنيًا متكاملاً، لا مجرد احتفال موسمي. لقد رفع رياض السقف عاليًا، وأثبت أن القيادة الثقافية مسؤولية ثقيلة، لكنها ممكنة حين تُدار بالشغف والحكمة.
لقد قدم محمد رياض نموذجًا نادرًا لرئيس مهرجان لا يبحث عن الأضواء، بل يصنعها للآخرين، ولا يحتكر النجاح، بل يوزعه على كل من شارك وساهم وعمل.
المسرح في مصر بخير طالما هناك قامات بحجم محمد رياض، تؤمن بأن الفن ليس عرضًا لليلة واحدة، بل مشروع وطني طويل النفس. والدورة الـ18 ليست فقط نجاحًا يُضاف لسجل المهرجان، بل بصمة يصعب محوها، ودرس سيظل حاضرًا لمن يحاول السير على نفس الدرب.