
مع دخول السينما المصرية مرحلة جديدة، تخلّت الكاميرا عن جمود الاستوديوهات، وانطلقت إلى الشارع والحارة المصرية، بحثًا عن الواقعية والبُعد عن التكلّف، وهو ما شكّل تحولًا كبيرًا في شكل الصناعة وأسلوب السرد.
وكان من أبرز الأعمال التي مثّلت هذا التحول فيلم “باب الحديد” للمخرج يوسف شاهين، الذي قرر أن يخرج بالكاميرا إلى قلب محطة مصر، حيث تدور الأحداث وسط زحام القطارات وبائعات المشروبات، لتصوير واقع الشارع المصري كما هو.
وأثناء تصوير أحد المشاهد الخارجية للفيلم، وتحديدًا في عام 1963، تعرضت الفنانة الكبيرة هند رستم لحادث مؤلم تسبب في إصابتها بكسر وكدمات، بحسب ما نشرته العديد من الصحف المصرية فى ذلك الوقت .
تفاصيل الحادث.. لحظة بين الأداء والوجع
في ساعات الصباح الأولى، كانت هند رستم تستعد لتصوير أحد مشاهدها كموزعة مشروبات – “بائعة كازوزة” – داخل قطار متجه من محطة مصر إلى كوبري الليمون.
ارتدت ملابس الشخصية: جلباب بلدي مقلم، واندفعت وسط الزحام تحاكي فتيات المهنة، بواقعية شديدة كما أراد المخرج يوسف شاهين.
وقفت تنتظر إشارة البدء من المخرج، الذي صرخ مناديًا: “هند”، لتبدأ تصوير المشهد.
ركضت بسرعة وقفزت، لكن خطأ في التوقيت جعلها تسقط في الهواء وتهوي مباشرة على “قضبان القطار”، لتطلق صرخة عالية مدوية أصابت الجميع بالذهول.
هرع إليها شاهين وفريق العمل، ووجدوها غير قادرة على الحركة، تتألم بشدة. تم حملها على الفور إلى المستشفى، حيث تبيّن أنها أصيبت “بكسر في ساقها”، إلى جانب كدمات متعددة في أنحاء جسدها.
تم إيقاف التصوير لعدة أيام، لحين تماثلها للشفاء وخروجها من المستشفى.
بطولة من نوع آخر
الحادث كشف عن جانب آخر في شخصية هند رستم، التي أصرت على أداء دورها بنفسها دون الاستعانة بدوبليرة، رغبة منها في تقديم شخصية “فاطمة بائعة الكازوزة” بواقعية وصدق.
وهو ما جعل المشهد، رغم مرارته، شاهدًا على التفاني والتضحية التي كانت تبذلها نجمات ذلك الجيل من أجل الفن.
هكذا، لم يكن “باب الحديد” مجرد فيلم في مسيرة هند رستم، بل محطة فارقة جمعت بين قوة الأداء وصدق التجربة، وحادثة ظلت محفورة في ذاكرة السينما المصرية، شاهدة على جرأة ممثلة آثرت الصدق على الراحة، وسقطت جسدًا لكنها ارتفعت فنًا في أعين جمهورها.