منوعات

للأب.. كيف تتعامل مع ابنك في سن المراهقة؟

المراهقة

 

سن المراهقة هي من أكثر المراحل تعقيدًا في حياة الأبناء، وهي الفترة التي تمتد عادة من عمر 12 أو 13 حتى أواخر سن المراهقة، حين يبدأ الطفل الصغير في التحول إلى شاب أو شابة. خلال هذه المرحلة، يمر المراهق بتغيرات كبيرة على الصعيد الجسدي والعقلي والعاطفي، ما يخلق حالة من الارتباك داخله، ويؤدي في بعض الأحيان إلى صدام مع والديه، الذين يجدون أنفسهم فجأة أمام شخصية مختلفة يصعب التعامل معها كما كانوا يفعلون في السابق.

وتقول د. ولاء نبيل، استشاري الطب النفسي والسلوكي، إن التغيرات التي تحدث في هذه السن تشمل النمو الجسدي المفاجئ، وما يصاحبه من شعور بالحرج أو عدم الارتياح تجاه مظهر الجسد، كما تبدأ القدرات العقلية بالنضج، ويصبح المراهق قادرًا على التفكير المجرد، ومعالجة الأمور بشكل أكثر عمقًا، لكنه في الوقت نفسه يكون متقلب المزاج وسريع الغضب، بفعل التغيرات الهرمونية والضغوط النفسية والاجتماعية. في هذه المرحلة تحديدًا، تظهر الحاجة الشديدة إلى الاستقلال، والرغبة في اتخاذ القرارات دون تدخل، مما يفسر التمرد ورفض القيود، كما يصبح تأثير الأصدقاء والمجتمع أكبر من أي وقت مضى، وتدخل وسائل التواصل الاجتماعي كعامل رئيسي في تشكيل وعي وسلوك المراهق.

ورغم أن هذه التغيرات قد تبدو مزعجة، فإنها طبيعية جدًا، وهي جزء من نمو الطفل إلى شخص بالغ، ودور الأهل في هذه المرحلة لا يقل أهمية عن أي مرحلة سابقة، بل يحتاج إلى مهارات خاصة تقوم على الفهم، والحوار، والدعم العاطفي.

ومن أولى الخطوات المهمة لبناء علاقة صحية مع المراهق، هو التواصل الفعال والمفتوح، يحتاج المراهق إلى أن يشعر بأن هناك من يستمع له دون إصدار أحكام، ويمنحه مساحة للتعبير عن رأيه حتى وإن كان مختلفًا، عندما يجد الأمان في العلاقة، يصبح أكثر استعدادًا للمشاركة، وأكثر قدرة على الثقة بمن حوله.

الاحترام المتبادل بين الطرفين ضروري أيضًا، فالمراهق يسعى إلى الاعتراف بذاته كشخص مستقل، وكلما وجد من يحترم أفكاره وهويته، كلما انخفضت مقاومته وحدته.

في المقابل، من المهم أن يفهم أن الحرية لا تعني الفوضى، بل ترتبط بالمسؤولية، لذلك من الضروري وضع قواعد واضحة داخل البيت يتم الاتفاق عليها بشكل مشترك، حتى لا يشعر أن القوانين مفروضة عليه من الأعلى، عندما يتورط المراهق في كسر هذه القواعد، يكون من المهم تنفيذ العواقب المتفق عليها مسبقًا، بهدوء وثبات، وبدون تهديد أو إذلال.

كما أن التحديات اليومية التي قد يواجهها المراهق مثل العناد، تقلبات المزاج، مشاكل الدراسة، أو القلق من العلاقات الاجتماعية، تتطلب من الأهل أن يكونوا مرنين ومتفهمين.

فالعناد، على سبيل المثال، غالبًا ما يكون وسيلة لإثبات الاستقلال وليس تحديًا مباشرًا، وتقلبات المزاج جزء طبيعي من التغيرات النفسية والجسدية التي تحدث له، لذا يجب التعامل مع هذه الحالات بتروي، ومنح المراهق مساحة آمنة للغضب والحزن، ثم العودة للحوار حين يهدأ.

والدعم العاطفي هو جوهر العلاقة الناجحة بين الأهل وأبنائهم في هذه المرحلة، فالكلمات البسيطة التي تعبر عن الحب، والفخر، والتقدير، يمكن أن تصنع فرقًا كبيرًا في حياة المراهق، كما أن الحديث عن مخاوفه والتعامل معها بجدية يساعده على الشعور بالأمان والاتزان، أما الثقة بالنفس، فتُبنى من خلال التشجيع على التجربة، وتقبل الفشل كجزء من التعلم، والاحتفاء بالمجهود قبل النتائج.

الأهل أيضًا بحاجة إلى العناية بأنفسهم، لأن رعاية المراهق لا يمكن أن تتم على حساب صحتهم النفسية أو الجسدية، فكلما كان الأهل أكثر توازنًا وهدوءًا، كلما استطاعوا تقديم الدعم الأفضل.

وفي حال واجهوا مشكلات تتجاوز قدراتهم، فإن اللجوء إلى أخصائيين نفسيين ليس علامة ضعف، بل خطوة مسؤولة في صالح الأسرة كلها، فسن المراهقة ليست أزمة بقدر ما هي فرصة، فرصة لبناء جسور متينة من الثقة، ولرؤية أبنائنا ينضجون أمام أعيننا، ويتعلمون كيف يصبحون أشخاصًا أقوياء وواثقين بأنفسهم، والمفتاح الحقيقي هو أن نرافقهم، لا أن نتحكم بهم؛ أن نستمع لهم، لا أن نحكم عليهم؛ وأن نحبهم كما هم، لا كما نريدهم أن يكونوا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى